سورة غافر - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} منصرفين عن موقف الحساب إلى النار. وقال مجاهد: فارين غير معجزين {مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} يعصمكم من عذابه، {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}. {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ} يعني يوسف بن يعقوب {من قبل} أي: من قبل موسى، {بِالْبَيِّنَاتِ} يعني قوله: {أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} [يوسف- 39] {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} قال ابن عباس: من عبادة الله وحده لا شريك له، {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} مات {قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا} أي: أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة، {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مشرك، {مُرْتَابٌ} شاك.
{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} قال الزجاج: هذا تفسير للمسرف المرتاب يعني هم الذين يجادلون في آيات الله أي: في إبطالها بالتكذيب {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} حجة {أَتَاهُم} من الله {كَبُرَ مَقْتًا} أي: كبر ذلك الجدال مقتًا، {عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} قرأ أبو عمرو وابن عامر {قلب} بالتنوين، وقرأ الآخرون بالإضافة، دليله قراءة عبد الله بن مسعود {على قلب كل متكبر جبار}.


{وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لوزيره: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} والصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، وأصله من التصريح وهو الإظهار، {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ}. {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} يعني: طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء، {فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} قراءة العامة برفع العين نسقًا على قوله: {أبلغ الأسباب} وقرأ حفص عن عاصم بنصب العين وهي قراءة حميد الأعرج، على جواب {لعل} بالفاء، {وَإِنِّي لأظُنُّهُ} يعني موسى، {كَاذِبًا} فيما يقول إن له ربًا غيري، {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ} قرأ أهل الكوفة ويعقوب: {وصد} بضم الصاد نسقًا على قوله: {زين لفرعون} قال ابن عباس: صده الله عن سبيل الهدى. وقرأ الآخرون بالفتح أي: صد فرعون الناس عن السبيل. {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ} يعني: وما كيده في إبطال آيات موسى إلا في خسار وهلاك. {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} طريق الهدى.
{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} متعة تنتفعون بها مدة ثم تنقطع، {وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} التي لا تزول.
{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال مقاتل: لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير. {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ} يعني: ما لكم، كما تقول: ما لي أراك حزينًا؟ أي: ما لك؟ يقول: أخبروني عنكم؟ كيف هذه الحال أدعوكم إلى النجاة من النار بالإيمان بالله، {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}؟ إلى الشرك الذي يوجب النار، ثم فسر فقال:


{تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} في انتقامه ممن كفر، الغفار لذنوب أهل التوحيد.
{لا جَرَمَ} حقًا، {أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} أي: إلى الوثن، {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ} قال السدي: لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة، يعني ليست له استجابة دعوة. وقيل: ليست له دعوة إلى عبادته في الدنيا لأن الأوثان لا تدعي الربوبية، ولا تدعو إلى عبادتها، وفي الآخرة تتبرأ من عابديها. {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ} مرجعنا إلى الله فيجازي كلا بما يستحق، {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ} المشركين، {هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} إذا عاينتم العذاب حين لا ينفعكم الذكر، {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} وذلك أنهم توعدوه لمخالفته دينهم، {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} يعلم المحق من المبطل، ثم خرج المؤمن من بينهم، فطلبوه فلم يقدروا عليه.
وذلك قوله عز وجل: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} ما أرادوا به من الشر قال قتادة: نجا مع موسى وكان قبطيًا، {وَحَاقَ} نزل، {بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} الغرق في الدنيا، والنار في الآخرة.
وذلك قوله عز وجل: {النَّارُ} هي رفع على البدل من السوء، {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} صباحًا ومساءً، قال ابن مسعود: أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود يعرضون على النار كل يوم مرتين، تغدو وتروح إلى النار، ويقال: يا آل فرعون هذه منازلكم حتى تقوم الساعة.
وقال قتادة، ومقاتل، والسدي، والكلبي: تعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيًا ما دامت الدنيا.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة».
ثم أخبر الله عن مستقرهم يوم القيامة فقال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا} قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر: {الساعة} {أدخلوا} بحذف الألف والوصل، وبضمها في الابتداء، وضم الخاء من الدخول، أي: يقال لهم: ادخلوا يا {آل فرعون أشد العذاب}، وقرأ الآخرون {أدخلوا} بقطع الألف وكسر الخاء من الإدخال، أي: يقال للملائكة: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب. قال ابن عباس: يريد ألوان العذاب غير الذي كانوا يعذبون به منذ أغرقوا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7